رعاية الطفولة والانتماء الوطني ـ 2
بقلم : رجائي عطية
رعاية الطفولة ليست محض عاطفة إنسانية وإنما هي رؤية عاقلة مستبصرة بمصير ومستقبل الوطن.. من قصور الفهم والإدراك أن نحصر العناية بالطفولة في جوانبها الإنسانية وهي بلا شك جديرة بكل عناية ورعاية وإنما هي تصب أيضا في بناء الأمم فالأطفال هم عماد المستقبل وعلي صفحتهم النقية تبذر من البداية جذور الانتماء الوطني وتستمر مرعية موصولة مع رعايتهم والعناية بهم في مراحل طفولتهم فصباهم ففتوتهم حتي يبلغوا مبلغ الرشد ويتأهلوا للإسهام في صنع الحياة والقيام بأمانة الوطن الذي احتضنهم.
وكفلهم ورعاهم حتي هيأهم لما يأمل أن يضطلعوا به! من اللافت أننا كنا أكثر اهتماما ورعاية للطفولة والأطفال وتراحم المجتمع من قبل أن نشرع ما شرعناه في الدستور وفي مجموعة القوانين التي أحاطت بالطفل والحدث من جوانب عديدة لاينقصها إلا تجاوب آليات المجتمع والناس مع المنظومة التي وضعناها علي الأوراق.. ليس مجرد نزوع أو حنين إلي الماضي أن نتذاكر ما كان عليه أسلافنا من اهتمام بالطفولة والأطفال وعناية استمدت جذورها وسقفها من المنظومة الدينية والأخلاقية والمجتمعية.
التي كانت إسهام المجتمع برمته ـ مع الأسرة ـ في رعاية وتنشئة وكفالة وصناعة الأجيال وتعطي الطفولة حقها الأكبر في هذه الرعاية التي عاشت في وجدانات عامة الناس وفي نسيج أعمال المفكرين والأدباء والشعراء.. رأينا أمير الشعراء أحمد شوقي لا يكاد يعجب إعجابا شديدا بصوت وشدو الطفل محمد عبد الوهاب حتي يغلبه الإحساس بالواجب إزاء الطفولة ـ علي متعة الاستماع فينهي الطفل عن الغناء والتردد علي الملاهي في طفولته الغضـة ويظـل يرعـاه ويـرعي موهبتــه حتي لا يكاد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب يتحدث حديثا إلا ويذكر فيه بالفضل والعرفان أمير الشعراء..
علي تنوع أغراض الشعر وكثرة شواغله وهمومه في الثلث الأول من القرن الماضي نري شاعر النيل حافظ ابراهيم ينظم قصيدة بعنوان' رعاية الأطفال' ينشدها بنفسه في الحفل الذي أقامته جمعيتها بالأوبرا في1910/4/8.. يستهلها شاديا:' شبحا أري أم ذاك طيف خيال* لا بل فتاة بالعراء حيالي'..' أمست بمدرجة الخطوب فما لها* راع هنا وما لها من وال'!.. واصفا إحدي اللاجئات إلي دار الرعاية..' ماخطبها وما خطبي بها* مالي أشاطرها الوجيعة مالي..' قد مات والدها وماتـت أمها* ومضي الحمام بعمها والخال'..' قلت إنهضي قالت أينهض ميت!* من قبره ويسيـر شن بالي'!..