يمكنك أن تضرب سيل الماء بحذائك كالأطفال ، سيتناثر الوحل علي ثيابك ،
معطفك ، و حتي وجهك !
تبتسم ، تشعر بفرح طفولي يجتاحك للحظات و يختفي ،
ثم تنظر للشارع الصخب خلفك ، للمطر المتساقط ،
للسماء ، تبحث عن طفولتك .
تتنهد بعمق، يحترق الهواء بأنفاسك و تسرقك الذكريات،
رعشة باردة، تسري في جسدك، ترفع ياقة المعطف،
تغمس وجهك فيه. . وتتذكر .
تتذكر توبيخ أمك حين كنت تعود من المدرسة مبتلا،
تتذكر احمرار وجهها الغاضب، شعرها المتهدل،
كفها الحانية حين تنزع الحقيبة عن ظهرك.
لكنك . . .
كنت تتعمد القفز في برك الماء الصغيرة بعد المطر،
تتخبط بلا مبالاة، تركض، تلعب. . . كنت طفلا عنيدا !
تذكر المظلة المرقطة التي اشترتها أمك حتي لا تبلل
ثيابك و تغدو في الفراش طيلة الشتاء ، كانت جميلة ،
وتمنيت أن تكسرها ، تدوس بقدميك فوقها ، كنت تتمني لو . .
تذكر يوما خطفها أولئك الصبية جيدا، تذكره. . ،
لم تقاوم يومها ، لم تدافع ، بل أرخيت أناملك و تركتهم يهربون .
تهوي المطر منذ صغرك، تستيقظ علي وقعه،
ثم تتسلل خارج فراشك الدافئ بهدوء و تفتح النافذة،
لتعانق حبات المطر بذراعيك، تمدها و تغفو. . لتغرق بأحلامك البريئة،
المضحكة أحيانا.
تعرف أن السنة أربعة فصول، تتمني لو أن جميعها شتاء!
هي تدرك بأنه خطأك و ليس خطأ السائق الأبله الذي رشق
الماء علي ثيابك، لم تنجح أكذوبتك الصغيرة.
تراقبك بصمت ، بعينين بارقتين ، و أنت تلوح بيديك ،
كيف كان السائق الأبله مسرعا بسيارته الصدئة ،
و كيف أنه لم يرك لقصر قامتك ، قلت يومها أنه
كان من المفترض أن يلبس نظاراته . . . كي يراك !
لم تدرك من قبل أنك ممثل بارع .
أخفضت رأسك وقطبت حاجبيك في تكشيرة عذبة ،
ثم أمسكت طرف بنطالك المتسخ و أطرقت في جدية
و مرجلة صغيرة . . " أمي . . أنا سأغسله "
نظرت إليك في لوم ، تحاول أن تتماسك ،
أن تتمالك نفسها قبل أن تنفجر ضاحكة .
ضحكت طويلا، ثم غسلت قامتك الصغيرة بنظراتها،
للحظة شعرت بأنك كبرت،
أصبحت تملك ساقين قويتين، و صدرا متسعا،
جذبتك إليها، ضمتك بقوة، أمسكت أذنك بدعابة. . " أيها الكاذب الكبير ! " .